لماذا كانت الصلاة 17 ركعة في اليوم.. علي جمعة: لفضائل لا يعرفها الكثيرون
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، تركنا وقد علَّمَ العالَمين إلى يوم الدين، ذلك الإناء الذي نضع فيه العبادة وعِمارة الأرض وتزكية النفس، علَّمه للعارِف والجاهل، علَّمه للبَدْوِي والحَضَرِي، وعلمه للرجل والمرأة، وللكبير والصغير، وللشيخ والشاب، وجعله عماد الدين، وعظَّم شأنه جدًّا.
وأضاف «جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أنه يسأل الناس: وما هذا الإناء الذي سوف يضع الله لنا فيه الأنوار، ويكشفُ لنا به الأسرار، ويَمْنَع عنَّا شر الأشرار، ويستجيبُ به الدعاء، وتتنزَّل من السماء الرَّحَمَات ويَدْفَعُ عنَّا البلاء، ما هذا الإناء؟ إنه الصلاه، الصلاة التي يُصليها المسلم في اليوم لله وحده خَمْس مرات.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أنه لا يوجد دين في الأرض، ولا مذهب تربوي أو فلسفي أو أخلاقي يَفْرِضُ على أتباعه جميعًا في حالة حَضَرِهم وسَفَرِهم، في حالة صحتهم ومرضهم، في حالة راحتهم وإجهادهم، في ليلهم ونارهم وصُبْحِهم ومِسائهم، على حال الرُّجولة والأنوثة فيهم، صلوات خمسة كل يوم في الأرض جميعًا، ليس هناك مَن تمتَّع بهذه المَزِيَّة ونال هذا الفضل سِوى المسلمين.
وتابع المفتي السابق: فالحمد لله الذي جعلنا من المسلمين، ومَنَّ علينا أن نُخاطبه وأن نتصل به وأن ندعوه وأن نستغفره وأن نستهديه خَمس مرات في اليوم، نعمة عظيمة لا يعرفها كثير منَّا وهو يمارسها، نعمة عظيمة لا يلتفت إليها كثير منا من إِلْفِه، فالإِلْف يتحوَّل في بعض الأحيان إلى عادة ويَخْرُج من مفهوم العبادة، ونحن نريد دائمًا أن نتذكَّر وأن نُذَكِّر، قال - تعالى-: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
ونبه: نتذاكَر تعظيم شأن الصلاه التي تركها كثير من الناس، أو استهان بها، أو أخَّر أولوياتها ففاته خير كثير، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} وليَعُد ذلك الذي ابتعد عن الصلاة إلى الصلاة، وليتمسَّك مَن تمسَّك بها ويجعلها تدعوه إلى أن يترك الفحشاء والمنكر؛ لأن هذه هي خَصِيصة الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.
وأوصى: ارجعوا إلى الصلاه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إذا حَزَبَهُ الأمر فَزِعَ إلى الصلاة، ضاق به الأمر، نَزَلَت مُلِمَّة، مصيبة، كارثة، أزمة- رأيناه يُسرع إلى الصلاة، كأن الصلاة تُفَرِّج عن قلبه الشريف - صلى الله عليه وسلم- ، وكيف لا وهي مَهبَط الرحمات ومَنزِل الأنوار وكَشف الأسرار.
ولفت أنه كان إذا حزبه الأمر فزع إلى الصلاه، وكان يقول لسيدنا بلال: «أرحنا بها يا بلال» كان يشعر في الصلاة بالراحة، بالسكينة، بالجمال، بالاتصال، بالوصال، بالحضور في الحضرة القدسية الإلهية الربانية، جاءه رجل وقال: يا رسول الله ادع الله أن أرافقك في الجنة، قال: «أَوَغير هذا؟»، -أليس لك طلب سِوى هذا، المرافقة في الجنة، مرافقة سيدنا المصطفى والحبيب المجتبى في الفردوس الأعلى، في الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، الطمع في وجه الله جائز - قال: إلَّا هذا يا رسول الله، فقال: «إذن أعني على نفسك بكثرة السجود».
وأكمل: ولذلك تراه - صلى الله عليه وسلم- شرع لنا الصلاه سبع عشرة ركعة في اليوم، في خمس صلوات، وهي خمس وهي عند الله خمسون، لأن الحسنة بعشر أمثالها، ويزيدُ الله مَن يشاء إلى أضعاف كثيرة لا نهاية لها.
ووجه الدكتور علي جمعة رسالة قائلًا: « إذا لم تكونوا تصلون فصَلُّوا، من غير فلسفة ولَفٍّ وخداع، صَلُّوا فإن الصلاة ركن من أركان الدين، بل هي عمود الدين، وذروة سنامه، والعمود هو الذي تقوم به الخيمة، فإذا قام قام الدين، وإذا هُدِمَ هُدِمَ الدين، والله لا خير لنا في هذا العالم إلا بالدين، ولا خير لنا بالدين إلا بالصلاة، ولا خير لنا في الصلاة إلا بسيد المخلوقات سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- ، وإذا كان كذلك فنحن نتقرَّبُ إليه بحبنا لأهل بيته الكرام، مختتمًا: فاللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد ومَكِّنَّا من الصلاة ومن الحِفاظ عليها».
وفي وقت سابق، عرض الدكتور علي جمعة جانبًا من جوانب تفضيل الله -سبحانه وتعالى- لنبيه المصطفى موضحا أن هذا الجانب يتجلى في ذكره سبحانه له في قرآنه الكريم بأغلب أعضائه الشريفة، فليس هناك ملك مقرب، ولا نبي مرسل أثنى الله على أعضائه وخصاله بهذا التفصيل قط.
وأفاد جمعة عبر فيسبوك، بأن ذكر الله بعض الأعضاء لبعض الأنبياء في القرآن، كذكر لسان داوود وعيسى بن مريم -عليهما السلام- في كتابه؛ حيث قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ، وذكر يد موسى عليه السلام، قال تعالى: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ)، وذكر يد أيوب ورجله، قال سبحانه : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)، وقال سبحانه: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ.
ونوه: لكنه لم يذكر -سبحانه وتعالى- أعضاء أحد من أنبيائه بهذا التفصيل، وعلى هذا الوجه من التكريم، الذي ذكر به أعضاء نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فذكر ربنا وجهه الشريف -صلى الله عليه وسلم- في كتابه العزيز، فقال سبحانه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)، ويشمل هذا السياق على مدح جليل فوق ذكر الوجه، ووجه المدح فيه أنه بمجرد تقلب وجهه الشريف أعطاه الله به ما أراد دون سؤال منه ولا كلام، فكانت بركة وجهه في تقلبه معطية له ما تمناه ويرضاه ﷺ.
واسترسل: ذكر الله وجه المصطفى - صلى الله عليه وسلم- في مواضع أخرى منها قوله -تعالى-: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ)، وقال : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ)، وقال -سبحانه-: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)، وقال -تعالى-: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القَيِّمِ).
وبين: "ذكر الله عينيه صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع في القرآن الكريم، فقال سبحانه: (لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ)، وقال -تعالى- : (وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) ، وقال -سبحانه-: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ).